أَنا مِثْلُ تِلْكَ اللُّؤْلُؤَةِ، أَتَوَسَّطُ بِلادي الْمَغْرِبَ، وأَتَرَبَّعُ على هَضْبَةٍ كَالْعَروسِ، أُطِلُّ مِنْ فَوْقِها. وأَمَّا ٱسْمي فَيَعودُ إلى عُصورٍ قَديـمَةٍ، عِنْدَما أَتى يَعْقوبُ الْمَنْصورُ الْمُوَحِّدِيُّ سَنَةَ خَمْسِمِائةٍ وأَرْبَعَةٍ وخَمْسينَ هِجْرِيَّةً بِالْعَرَبِ الْهِلالِيِّينَ إلى سَلا. ولَمَّا زارَتْني بَعْضُ قَبائلِهِمْ كَـ(الْخُلْطِ) ٱسْتَقَرُّوا بي، فَأَطْلَقوا عَلَيَّ (خَريبْقَةَ) وهِيَ مِنْ فِعْلِ (خَرْبَقَ) أَيْ خَلَّطَ، ولَصِقَ بِالأَرْضِ، وكانَتْ قَبائِلُ الْخُلْطِ وبَني جابِرٍ وجَشْمٍ ومُطاعٍ، يَرْحَلونَ مِنْ مَرْعى إلى مَرْعى، حَتَّى وَصَلوا إِلَيَّ، أَعْجَبَتْهُمْ أَرْضي الْغَنِيَّةُ، فَشَيَّدوني عَلَيْها!..لَكِنَّ ٱسْمي سَيَتَأَلَّقُ أَكْثَرَ بَيْنَ الْمُدُنِ الْعالَمِيَّةِ، حينَما يَكْتَشِفونَ في أَرْضي الْفوسْفاطَ، ولَهُ مَعي قِصَّةٌ طَريفَةٌ، فَقَدْ جاءَني سائحٌ إِيطالِيٌّ سَنَةَ 1920 وفيما كانَ يَتَجَوَّلُ بِضاحِيَتي، عَثَرَ على بِئْرٍ لِلْفوسْفاطِ، فَفَكَّرَ في أَنْ يَسْتَقِرَّ، لِيَسْتَغِلَّ ثَرْوَتي الْمَعْدِنِيَّةَ، فَقامَ الْمَغارِبَةُ يُطالِبونَهُ بِتَرْكِ الْبِئْرِ، لأَنَّهُ يوجَدُ في أَرْضِهِمْ، لَكِنَّ الإِيطالِيَّ رَفَضَ التَّخَلِّيَ عَنْها؛ لأَنَّهُ ٱكْتَشَفَها، وبِما أَنَّ الْمَغارِبَةَ عُقَلاءُ، يَحُلُّونَ مَشاكِلَهُمْ بِالْحُسْنى، عَرَضوا الْقَضِيةَ على مَحْكَمَةِ (لاهايْ) الدَّوْلِيَّةِ بِهولانْدا، فَحَكَمَتْ لِصالِحِهِمْ، وما كانَ على الإِيطالِيِّ إِلاَّ أَنْ يَقْبَلَ بِالْحُكْمِ، فَيَحْمِلَ حَقائبَهُ، ويَعودَ إلى وَطَنِهِ!
أستاذ الأجيال العربي بنجلون
0 الردود على "خَريبْكَةُ.. عاصمة الْفوسْفاطُ"