قلق علمي من تأثيرات البيئة الرقمية على الأطفال

الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية يؤخر نمو المدارك العقلية.

     لا يختلف اثنان حول أهمية الدور الذي تلعبه الأجهزة الإلكترونية في حياتنا اليومية، إلا أنها لا تخلو من السلبيات خصوصا عندما يتعلق الأمر بالأطفال. وقد لا يهدأ الجدل الدائر حول تأثيرات البيئة الرقمية على تطور ونمو القدرات الذهنية، إلا أن ما هو مؤكد أن الإفراط في استخدامها يحمل مخاطر جسدية ونفسية.

     لندن – الحرب المعلنة ضد الأجهزة الإلكترونية لا تتوقف خاصة عندما يتعلق الأمر بالأطفال؛ فهي بالنسبة إلى الكثيرين متهمة بتأخير تطور قدراتهم الكلامية، وتشتيت انتباههم وإضعاف قدرتهم على التذكر. هذه ليست مخاوف جيل قديم، يعبر عن احتجاجه على كل ظاهرة أو سلوك لم ينشأ عليه. بل هو قلق جهات علمية تعتقد أن الإفراط في استخدام هذه الأجهزة يؤدي إلى تأخر نمو المدارك العقلية للطفل.

حتى اليوم كل ما قيل حول هذا الموضوع بني على دراسات تابعت تأثير البنية الرقمية على جوانب محددة من التطور النفسي عند الأطفال، وكان سهلا دائما التشكيك بكل ما يقال عن تلك المخاطر.

تشتيت الانتباه

   التأثير السلبي لن ينعكس على البنية الجسدية للطفل فقط بل سيزيد من حجم الضغوطات النفسية عليه لاسيما في المهام التي تتطلب تركيزا مكثفا

    التأثير السلبي لن ينعكس على البنية الجسدية للطفل فقط بل سيزيد من حجم الضغوطات النفسية عليه لاسيما في المهام التي تتطلب تركيزا مكثفا

    البروفيسور سيرغي ستيبانوف، الذي ترأس فريقا للبحث في معهد التربية وعلم النفس في جامعة موسكو، أكد أن أكبر المخاطر التي تهدد تطور البنية الذهنية للطفل “ترتبط بالأجهزة الإلكترونية المزودة بالشاشات، التي تستخدم للترفيه. كلما بدأ الطفل في استخدام هذه الأجهزة الرقمية مبكرا، تزداد خطورة عواقبها في تطور الوظائف العقلية ليعاني من التأخر في تطور الكلام، وتشتت في الانتباه وضعف الذاكرة والتفكير. ويظهر تأثيرها بصورة واضحة في قدرة الطفل على استعداده للتعلم والتطور في المدرسة،     وكذلك في “النشاط الإبداعي”. ويضيف سيرغي، “إذا استخدمت هذه الأجهزة بعقلانية وفي مجال التعليم، فيمكن أن يكون لها تأثير إيجابي”.

مع الأسف معظم الأطفال يستخدمون التكنولوجيا للتسلية؛ 60 في المئة منهم يقتصر تعاملهم معها على الترفيه، بينما 40 في المئة فقط يستخدمونها للتعلم وتوسيع معارفهم.

وكانت دراسة أخرى قد كشفت مدى سهولة تشتيت انتباه الأطفال الذين يمضون وقتا طويلا أمام الشاشات.

   وباستخدام تقنية تتبع العين، وجد خبراء بريطانيون أن الأطفال الذين يستخدمون شاشة تعمل باللمس يوميا كانوا أسرع في النظر إلى الأشياء الأخرى، عندما تظهر ضمن مجال رؤيتهم على شاشة الكمبيوتر.

   ووجدت التجارب أنهم كانوا أيضا أقل قدرة على مقاومة الإلهاء مقارنة بالأطفال الصغار، الذين لا يستخدمون شاشة تعمل باللمس أو يستخدمونها لفترات قصيرة ومحدودة.

   وتغذي هذه النتائج الجدل المتزايد حول دور “الوقت المقضي أمام الشاشة” في نمو الأطفال، وزيادة مستويات استخدام الأجهزة الإلكترونية خلال الوباء الحالي.

  ووفقا للدراسة، استخدم 63 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث إلى أربع سنوات، الأجهزة اللوحية في المنزل في عام 2019 – ارتفاعا من 28 في المئة في عام 2013.

  ويُعتقد أن هذا الرقم قد يرتفع على الأرجح بسبب زيادة عدد الأجهزة في جميع أنحاء المنزل، بسبب الحاجة إلى البقاء على اتصال أثناء الإغلاق الذي فرضته الجائحة.

   وقال معد الدراسة البروفيسور تيم سميث، من مركز تطوير الدماغ والمعرفة في بيركبيك بجامعة لندن “لقد تسارع استخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية من قبل الأطفال الصغار في السنوات الأخيرة”.

مهارات مبكرة

   تعتبر السنوات الثلاث الأول من الحياة حاسمة للأطفال، لتعلم كيفية التحكم في انتباههم وتجاهل الإلهاء، وهي مهارات مبكرة معروفة بأهميتها للإنجاز الأكاديمي اللاحق.

   ويقود البروفيسور سميث حاليا مشروعا يبحث في استخدام الأطفال للأجهزة التي تعمل باللمس والتأثيرات اللاحقة عبر استبيانات قصيرة في مركز بيركبيك لتنمية الدماغ والنمو المعرفي، المعروف أيضا باسم “بيبي لاب”.

   وفي هذه الدراسة، قام الباحثون بمتابعة 40 طفلا بدءا من عمر 12 شهرا والوقت الذي أمضوه في استخدام شاشات اللمس وصولا إلى مرحلة ما قبل المدرسة. وقاس الباحثون مدى سرعة نظر الأطفال الصغار إلى الأشياء، ومدى قدرتهم على تجاهل الأشياء المشتتة للانتباه.

   ووجد الفريق أن الرضع والأطفال الصغار الذين يستخدمون شاشة لمس، كانوا أسرع في النظر إلى الأشياء عند ظهورها، وكانوا أقل قدرة على تجاهل الأشياء المشتتة للانتباه مقارنة بالمراهقين والكبار من مستخدمي الوسائط الرقمية.

   ومع ذلك، فإن الدراسة، التي نُشرت في مجلة “تقارير علمية”، لم تحدد السبب والنتيجة.

    وقالت معدة الدراسة الدكتورة، آنا ماريا برتغال، في معهد كارولينسكا، ستوكهولم بالسويد “لا يمكننا حاليا استنتاج أن استخدام الشاشة التي تعمل باللمس تسببت في اختلافات في القدرة على التركيز والانتباه. ويمكن أن يكون الأطفال الأكثر تشتتا أشد انجذابا إلى ميزات جذب الانتباه للأجهزة التي تعمل باللمس من أولئك الذين ليسوا كذلك”.

   ويقول الفريق حقيقة إن الأطفال الذين يستخدمون الهاتف الذكي بكثرة كانوا أكثر عرضة لتشتيت الانتباه، ولكنهم لم يحسموا الجدل فيما إذا كان الاستعمال المكثف لهذه الأجهزة سمة إيجابية أو سلبية.

   ويخطط الباحثون الآن للتحقق من كيفية ترجمة سلوكيات الانتباه في المهام التي تتطلب وجود الشاشة خارج المختبر.

   وقالت الباحثة المشاركة راشيل بيدفورد، من قسم علم النفس في جامعة باث “ما نحتاج إلى معرفته بعد ذلك هو كيف أن هذا النمط من البحث المتزايد عن الأشياء المشتتة على الشاشات يرتبط بالاهتمام في العالم الحقيقي”.

تأثيرات سلبية

   وفي العام الماضي، كشفت الأبحاث أن الأطفال الصغار، بين 18 شهرا و42 شهرا، الذين استخدموا شاشة تعمل باللمس بشكل يومي، كانوا أسرع من المستخدمين الآخرين في العثور على أهداف بارزة أثناء عمليات البحث المرئي.

   وبينما يركز البعض من الباحثين على الآثار السلبية بشكل انتقائي، يرى آخرون أن المخاوف مبالغ فيها، ويكفي للحد من الآثار السلبية للبيئة الرقمية، تطوير القدرات الفكرية والإبداعية لتلاميذ المدارس، وهو ما يتم حاليا من خلال التعليم الإضافي الخارجي الذي يوفره بعض الآباء. لذلك يقترح العلماء إضافة مثل هذه المواد إلى البرنامج الدراسي.

   ووفقًا لتوقعات العلماء سيكون استخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في التعليم، وسيلة واعدة  لتخفيض التأثير السلبي لهذه الأجهزة عند تلاميذ المدارس.

   إلى أن يحسم الجدل حول أثر البيئة الرقمية على المقدرات الذهنية للأطفال يمنع تعريضهم قبل سن الثالثة لتأثيرات التكنولوجيا

   إلى أن يحسم الجدل الدائر حول تأثيرات البيئة الرقمية على المقدرات الذهنية للأطفال، النصيحة التي يقدمها الباحثون للأهل باختصار هي، يُمنع تعريض الأطفال قبل الـ3 سنوات إلى الوسائل التكنولوجية، ففي هذه المرحلة من العمر يكون الطفل بحاجة إلى اكتشاف جسمه، لإبراز قدراته، وكلما ارتفع تحفيزُه الجسدي كلما تطورت قدراته الذهنية، للحيلولة مستقبلا من إدمان الوسائل الرقمية، لاسيما أنّ الطفل في هذا العمر ينبهر بالتكنولوجيا.

   أمّا بعد تجاوز الثالثة من عمره فيمكن السماح له باستعمال التكنولوجيا تدريجيا، شرط إبعاده عنها قبل النوم لأنها تتسبب في صعوبة الإغفاء بسبب تنشيط الدماغ، إضافة إلى تأثيرها على نوعية النوم.

   تركيز الدراسات على الجانب الذهني والعقلي للطفل، يجب أن لا ينسينا تأثيراتها على الجانب الجسدي أيضا. فبدلا من أن يخرج الأطفال انفعالاتهم وطاقاتهم الجسدية عبر النشاط الحركي مستخدمين جسمهم ككل، أي من خلال الركض أو الحركات اليدوية والتواصل والاحتكاك بالآخرين، يخرجون انفعالاتهم عند اللعب على الأجهزة الرقمية من خلال أطراف أصابعهم.

   التأثير السلبي لن ينعكس على البنية الجسدية للطفل فقط، بل سيزيد من حجم الضغوطات النفسية عليه، لاسيما في المهام التي تتطلب تركيزا مكثفا. لذلك لا تستغربوا إن لمستم مظاهر انفعال عصبي في سلوك أطفالكم وردود فعل غاضبة تصدر عنهم لمجرد أتفه الأسباب.

                                                                                                                صحيفة العرب

 

0 الردود على "قلق علمي من تأثيرات البيئة الرقمية على الأطفال"

اترك رسالة

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2017 © جميع الحقوق محفوظة للرابطة المحمدية للعلماء 

X